* "مع كل صباح أبدأ في ترتيب الأعمال التي تنتظرني: شئون البيت والأولاد، العمل، وسائر الطلبات اليومية…
.. وفي آخر اليوم أذهب إلى الفراش منهكة، ومع ذلك أشعر أنني أعيش وحيدة، لا أحد يشعر بي، لا أستطيع الشعور بالسعادة.. لماذا؟
( زوجة )
* رغم أنني متزوج، ومشاغلي كثيرة، ومعارفي كثيرون، إلا أنني أشعر بالوحدة حتى وأنا وسط أسرتي، أشعر أنه ليس هناك من يملأ عقلي وقلبي، أجلس بين الناس.. الكل يتحدثون، فأجد نفسي أستمع بلا حماس، وكأني غريب في وسطهم."
( زوج )
– نعم ! أصبحت هذه هي الشكوى التي تتردد على ألسنة الكثيرين، ولكن الغريب أن نسبة من يشعرون بالوحدة، لم تعد تزيد فقط بين من يعيشون بمفردهم بالفعل، أو بين كبار السن، بل وسط الشباب أو المتزوجين الذين يعيشون في أسر مستقرة.
هذا رغم أنه من المعروف أن الزوج أو الزوجة، ليس لديه من الوقت ما يسمح له بالشعور بالوحدة.. بل أن البعض – أحياناً- يفتقدون الوقت للجلوس فيه مع أنفسهم في هدوء!
– الوحدة.. والعزلة!
كثيراً ما يختار الإنسان العزلة، لتكون منهجاً له في حياته، والأسباب كثيرة، إما لأنه لا يحب الاختلاط والاندماج كثيراً مع الناس، ورغم هذا فهو سعيد في حياته، ولا يشعر بالوحدة، أو لأن ظروف عمله تقتضي منه أن يتفرغ له، ويبتعد عن الناس حتى ينتهي من عمله، وقد تستمر العزلة أياماً أو أسابيع، وقد تطول. وهو يستمتع بعمله وعزلته، ولا يشعر بالوحدة.
أما الوحدة – إذا لم نفرضها ظروف الحياة، وبخاصة على من يعيشون بمفردهم، أو على من يعملون بعيد عن وطنهم، فقد يعيش فيها الإنسان بقلبه، وعقله رغم أنه يعيش بجسده وسط صخب وعمل أشخاص كثيرين من حوله.
هذا الزوج – أو هذه الزوجة – يسهم بعمله ونشاطه بجسده فقط، أما أفكاره فهي بعيدة جداً عن المكان الذي يكون فيه، وعادة فهو لا يكترث كثيراً لكل ما يحدث من حوله.
* أسباب وحدتك..
أنت وحدك الذي تعرفها، لكني أعرض عليك بعض الأفكار التي تساعدك لتفتش وتكتشف ما بداخلك.
* قد يكون الإحساس بخيبة الأمل.. أو التشاؤم: فتشعر أنه لا يوجد من يفهمك، حتى زوجتك – أقرب الناس إليك- لا تستطيع أن تحقق لك ما تريده، أو ما خططته لنفسك من قبل، فمجهودك ضائع دائماً.. أفكار كثيرة يمكن أن تكون هي السبب بالفعل، أو قد تكون جزءاً منه، لذلك يظل الشخص يفكر فيها وكأنها دائرة مغلقة، ولكنه لا يفكر كيف يخرج نفسه من هذه الدائرة، لذلك يعتقد أنه لا يوجد من يشعر بمتاعبه وأفكاره، وأنه وحيد في دنياه.
* القهر: "تزوجت برجل يشهد له الجميع بالنجاح والثراء والشهرة، والرفاهية، والحياة الفاخرة ومن حولي أناس لهم وضعهم في المجتمع يجلسون معي كل يوم، ومع ذلك أشعر وكأنني "صماء" وأنا جالسة في وسطهم، هذه الحياة فُرضت عليَّ ، لم يكن لي أي رأي أو مشاركة في اختيارها، فهذه الحياة ليست حياتي، أشعر كأنني غريبة عليها.."!
* غياب الهدف: رغم أنك متزوج، أو متزوجة، إلا أن الكثيرين يفسرون الزواج على أنه نهاية لقصة حب، أو آخر محطة في حياة الإنسان.
فلو أنك وضعت أهدافاً متجددة لحياتك الزوجية بالاتفاق مع زوجتك، أهدافاً تدور حول حياتكما، بيتكما،العمل، الأبناء، المستقبل، بل حول أبسط الأمور التي تقابلكما، فلن تشعر بالوحدة أو بالغربة وأنت تجلس مع زوجتك، ولن تعاني الزوجة – بعد ذلك- من حالة اللامبالاة، كلما تحدثت إلى زوجها، وكأنه في عالم آخر غير عالمها.
* إيقاع الحياة السريع الذي أصبح المتحكم في حياتنا، جعل أشياء كثيرة تبدأ قبل أوانها، وأصبح الإنسان لا يجد وقتاً للاستمتاع بكل مرحلة من مراحل حياته، فهذا الطفل ما زال في السادسة من عمره، ولكنه يتحدث كالمراهقين!
الضجيج والسرعة واستخدام الآلة في كل شئ – رغم فائدتها – إلا أنها أفقدت الإنسان الكثير من جمال الأشياء الطبيعية أو البسيطة وجعلت الكثيرين يتعاملون مع بعضهم البعض وكأنهم آلات ليس عليها سوى الإنتاج فقط. فمتى تعثر الإنسان أو تأخر، فاته الكثير، وشعر أنه غريب ووحيد.
وعلاج هذه الحالة هو أنه يجب عليك أن تجد الوقت لنفسك، ولا يعني هذا ألا تفكر إلا في نفسك فقط فتصبح أنانياً؛ بل تحدث مع نفسك بين كل فترة وأخرى، واعرف ماذا تريد، وما الذي كنت تتمناه، وهل حققته، أم تفتقد تحقيق ذاتك إلى هذه اللحظة، هل تعيش للآخرين ولنفسك، أم تعيش لنفسك فقط… أم العكس؟
لا تدع الناس تلهيك عن شخصيتك الحقيقية وأسلوبك الذي ترتاح إليه. اختر أصدقائك ومعارفك الذين ترتاح للكلام معهم، والاستماع باهتمام لحديثهم وأخبارهم أو لمشكلاتهم.
أعط نفسك الفرصة لتفهم شريك حياتك أكثر، وبعمق، لا تتعال عليه أو على غيره، بأفكارك أو بكلامك، حتى لا يبتعد عنك فتشعر بالوحدة حتى وأنت في وسط أسرتك.
* الإحساس السلبي بالشبع: فالبرغم من أن الإنسان عادة يظل يشعر أنه لم يحقق كل شئ إلا أن الشبع أمر نسبي، فهناك الكثيرون بالفعل، من يعوزهم الوقت أو المال أو الجهد أو الفرصة لتحقيق حياة أفضل لهم أو لمن حولهم.
لكن هناك أيضاً من يشعر بأنه لم يعد محتاجاً لشئ، فكل شئ يتمناه يجده بين يديه: المال – المركز – الأصدقاء- الأسرة. ورغم هذا يظل فارغ العقل والوجدان، لا يشعر أبداً بالسعادة أبداً بالسعادة الحقيقية، بل يشعر بأنه وحيد – رغم كل الموجودين، وكل ما يبدو من سلوكه، ويوحي للآخرين بأنه سعيد – فما أن يخلو لنفسه، حتى يشعر أنه وحيد، يفتقد لشئ يملأ حياته.
* الفراغ الروحي والعقلي، فإذا لم يملأ الله قلبك ووجدانك وأفكارك فلن يملأه إنسان، فعندما يملأ الله – سبحانه قلبك فإنه سيتسع ويمتلئ بالسعادة والطمأنينة والحب، والراحة، ولن تشعر بالوحدة أو بالغربة أبداً.